نقطة تقارب: طلاب جامعة حمد بن خليفة يطبقون تكنولوجيا الترجمة السمعية البصرية لجعل الفنون ميسرة لضعاف البصر
عندما ولد بابلو بيكاسو في عام 1881، كان توماس إديسون قد كشف لتوّه للعالم عن المصباح الكهربائي المتوهج، ولم تصبح الكهرباء من المكونات الأساسية الشائعة في المنازل إلا بعد مضيّ ثلاثة عقود من الزمن. وفي السنوات السابقة، حين كانت التكنولوجيا الحديثة تواصل إحداث ثورة في الحضارة في جميع أصقاع العالم، كان الفنانون مهتمين بها كمصدر أساسي لمادة أعمالهم. فقد رسموا مناظر طبيعية تحتوي على المداخن، وآلات النسيج ومشغليها، والرافعات المستخدمة في استخراج الفحم، والسكك الحديدية التي كانت تشق طريقها عبر البلاد. في ذلك العصر كانت الفنون والتكنولوجيا تسيران على خطين متوازيين لا يتقاطعان.
وعند وفاته في عام 1973، كان بابلو بيكاسو يعتبر من أبرز قامات الفن، وينسب إليه الفضل في تأسيس الحركة التكعيبية. في تلك المرحلة، بدا الفن محصنًا من التكنولوجيا، ولكن العالم الفني الذي خلّفه بيكاسو لم يكن ليبقى معزولًا أو مستقلًا عن التكنولوجيا. واليوم، التحم عالما الفنون والتكنولوجيا في رباط لا ينفصم.
وفي عام 2017، كان لهذا التزاوج بين الفن والتكنولوجيا ثمار منها رقمنة الفنون، وصالات العرض الافتراضية، والمزادات على الإنترنت، والمنحوتات المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والفنون الميسرة لضعاف البصر.
وبوصفها جامعة بحثية رائدة في المنطقة، فإن طلاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة هم رواد هذا التفاعل المستمر بين الفنون والتكنولوجيا، إذ يقدم معهد دراسات الترجمة التابع للكلية برنامج ماجستير الآداب في الترجمة السمعية البصرية، الذي يدرب الطلاب ليصبحوا متخصصين في ترجمة النصوص السمعية البصرية، والدمج بين التكنولوجيا والثقافة واللغويات.
وفي شهر مايو من هذا العام، انضمّ الكثير من طلاب جامعة حمد بن خليفة كمتدربين في منشأة (مطافئ: مقر الفنانين) الشهيرة للعمل على مشروع جديد ومثير يستخدم استراتيجيات الترجمة الإبداعية في سياق تواصلي سمعي ولمسي. فقد أسهم طلاب الجامعة في إعداد نصوص للوصف السمعي ونسخ لمسية مطابقة للأعمال الفنية في معرض "جياكوميتي وأنا" الذي نظمته متاحف قطر وضمّ بعض اللوحات الشهيرة لبيكاسو وبعض المنحوتات للفنان السويسري ذائع الصيت ألبرتو جياكوميتي، حيث تضمن المعرض أعمالاً مثل (البورتريه الذاتي)، و(امرأة تلقي حجرًا)، و(العنزة)، و(زهرة في خطر)، و(امرأة طويلة القامة)، و(الرجل الذي يمشي)، وغيرها الكثير من الأعمال.
وخلال فترة التدريب الداخلي، أمضى طلاب جامعة حمد بن خليفة وقتهم في تحليل المعروضات التي تتطلب دعمًا سمعيًا وبصريًا، وكتابة نص للمكفوفين بطريقة بريل يرشدهم للتجول في أروقة المعرض، وإنتاج نسخ مطابقة للأعمال الفنية يمكن استكشافها من خلال اللمس. وقد نجحت جهودهم في إبراز جوهر أعمال بيكاسو الفنية الزاخرة بالألوان وتصويره الثري للحالة الإنسانية وتيسير تلقيها لضعاف البصر. كما نجحوا في نقل تفاصيل الجمال والأشكال والمنحنيات التي تستحضر الواقعية الصادمة للحداثة في أعمال جياكوميتي كما رغب في تقديمها لجمهوره.
وفي معرض تعليقها على هذه المشاركة الطلابية، قالت الدكتورة أمل محمد المالكي، العميدة المؤسسة لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية: "نحن في جامعة حمد بن خليفة نوفر لطلابنا فرص التدريب الداخلي في المؤسسات المحلية والعالمية الرائدة؛ ليتمكنوا من العمل مع الخبراء وتطبيق المهارات التي اكتسبوها خلال إعدادهم الأكاديمي بشكل عملي. كما يتيح ذلك لطلابنا معايشة أجواء المجال المهني، فيصبحون قادرين على تطبيق المنهجيات الحديثة، سواء النظرية أو العملية، والتقنيات الحديثة التي اكتسبوها خلال دراستهم. وسوف يسهم الجيل القادم من الكفاءات في بناء أسس المستقبل وقواعده من خلال المنهجيات المستقبلية والمبتكرة ذات الصلة".
وقد أتيحت للمتدربين فرصة العمل عن كثب مع طلاب معهد النور للمكفوفين أثناء قيامهم بأنشطة البحث والتطوير لإنشاء دليل زوار ميسر لضعاف البصر. وفي ختام المشروع في أواخر شهر مايو، قام طلاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة باستعراض أعمالهم وتلقوا ملاحظات وتعليقات قيّمة من الزوار، وخاصة من أعضاء مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين.
وقالت الدكتورة جوزيليا نيفيش، الأستاذ المشارك في جامعة حمد بن خليفة ومستشار التدريب للطلاب: "شكّل العمل في منشأة (مطافئ: مقر الفنانين) تجربة مميزة للمتدربين الداخليين لدينا، إذ تعدّ هذه المنشأة بحق القلب النابض لمجتمع الفنانين المحليين والدوليين المفعم بالحياة في دولة قطر. وكانت الأفكار الجديدة تفيض من طلابنا لتعزيز تجربة استكشاف أعمال بيكاسو وجياكوميتي لمن يعانون من ضعف البصر، من خلال تمكينهم من الاستمتاع بجمالية الأعمال الفنية كما أراد الفنانان الكبيران".
وكانت ملاك العتروس، إحدى طالبات السنة الثانية ضمن برنامج ماجستير الترجمة السمعية البصرية، من بين متدربي كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الذين شاركوا في هذا المشروع الخاص مع متاحف قطر. وقالت ملك إن تجربة التدريب هي "فرصة لتطبيق ما تعلمته طوال الفصل الدراسي في سياق عملي واقعي". وأضافت قائلة: "لقد أتيحت لي الفرصة للعمل على مشاريع أثبتت مدى أهمية الترجمة بشكل عام للمجتمع، والترجمة السمعية البصرية بشكل خاص".
لم تعد التكنولوجيا مجرّد مصدر تستمد منه الفنون مادتها في هذه الحقبة، بل عنصر نشط في تيسير فهمنا للأعمال الفنية المعروضة في الصالات والمتاحف. ومن خلال الجهود الدؤوبة التي يبذلها الرواد في أماكن مثل جامعة حمد بن خليفة، بات تلقي الأعمال الفنية المعاصرة والكلاسيكية أكثر تيسرًا من أي وقت مضى. ولم تعد الفنون والتكنولوجيا تسيران في خطوط متوازية، بل تتقاربان في نقاط متعددة في أنحاء دولة قطر وبقاع أخرى غيرها.
لمعرفة المزيد عن برنامج ماجستير الآداب في الترجمة السمعية البصرية بجامعة حمد بن خليفة، أو البرامج الأخرى التي تقدمها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، يرجى النقر هنا.