تقييم الجودة في الترجمة
كان البحث عن المعايير الذهبية لتقييم وضمان جودة الترجمة إلى اللغة العربية من بين أبرز الموضوعات التي احتفت بها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية خلال حفل ختام السنوي، الذي نظمته الكلية لتكريم طلابها المتميزين.
وقد يبدو تعلم اللغة العربية أمرًا صعبًا إلى درجة الاستحالة. وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة لتبديد الاعتقاد السائد منذ فترةٍ طويلةٍ بأنه من غير الوارد أن يستوعب غير الناطقين باللغة العربية الفصحى لغتنا الجميلة بسهولة، يتفق اللغويون على أن اللغة العربية لا تختلف عن أي لغة أخرى فيما يتعلق بتصريف الأفعال، وبناء الجملة، وطريقة النطق.
ولا يرتكز تصنيف منظمة الأمم المتحدة للغة العربية في المرتبة الخامسة على قائمة اللغات الأكثر انتشارًا في العالم على العامل السكاني فحسب. وتشير تقديرات نشرة إثنولوج لعام 2019، وهي نشرة مرجعية عن اللغات الحية في العالم، إلى أن 273 مليون شخص تقريبًا قد اعتمدوا اللغة العربية لغةً ثانيةً لهم، وهو ما يجعلها ثالث أكثر اللغات انتشارًا في هذه الفئة على مستوى العالم.
وعلى الرغم من شعبيتها، يتفق المترجمون واللغويون عمومًا على أن هناك نقص في الأدوات اللازمة لتقييم جودة الترجمة إلى اللغة العربية وتحسينها، نظرًا لندرة المراجع الصادرة باللغة العربية حول هذا الموضوع. وكان هذا الموضوع من بين المواضيع المهمة التي تناولها الباحث الفائز بجائزة البحث العلمي المتميز خلال الحفل.
وقال أحمد غالي، خريج كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والفائز بالعديد من الجوائز خلال حفل ختام، ومن بينها جائزة البحث العلمي المتميز، وجائزة الباحث الأكاديمي الواعد: "بدأ موضوع تقييم جودة الترجمة في الاستحواذ على اهتمام عدد كبير من باحثي الترجمة المعروفين مؤخرًا، وخصوصًا في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي؛ نظرًا لتنامي أهمية الترجمة في العصر الحديث."
الحاجة لوسائل إضافية
وفقًا للدراسة البحثية التي أجراها غالي، قد يكون من بين الحلول الممكنة للتوصل إلى وسيلة تقييم للترجمة قابلة للقياس توظيف نموذج يوليانا هاوس المُنَقَح لتقييم جودة الترجمة، الذي يُعدُ أشهر النماذج لتقييم جودة الترجمة في العالم، في تطبيقاته المختلفة على النصوص المترجمة إلى اللغة العربية.
ويُعدُ نموذج تقييم جودة الترجمة، الذي طرحته مُنَّظِرة الترجمة الألمانية الشهيرة يوليانا هاوس في عام 1977، واحدًا من أكثر نماذج تقييم جودة الترجمة موضوعية وإثارة للجدل في الوقت نفسه. ويرتكز هذا النموذج على علم الأساليب وتحليل الخطاب والنظريات التداولية لاستخدام اللغة التي طرحتها مدرسة براغ، والتي كانت تضم مجموعة مؤثرة من اللغويين. ويقوم النموذج على فرضة تحقيق التكافؤ الوظيفي مع التركيز بشكل أساسي على الحفاظ على معنى اللغة في النص الأصلي والنص الهدف على المستويات الدلالية والتداولية والنصية.
وأوضح غالي: "من بين الحلول الأخرى تطبيق معايير الأيزو 704 الصادرة عام 2009 حول صك المصطلحات والمعتمدة على نطاقٍ واسعٍ باعتبارها آلية للتعامل مع المشاكل المتعلقة بالمصطلحات."
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الدولية للمعايير (الأيزو) هي هيئة معنية بوضع المعايير تضم ممثلين من مختلف المنظمات الوطنية للمعايير. وتتمثل مهمة منظمة الأيزو في الترويج لمعايير الملكية الفكرية، والمعايير الصناعية والتجارية حول العالم. وتوفر تطبيقات معايير الأيزو في الترجمة إلى اللغة العربية إطار عمل أكثر إتساقًا لتقييم جودة الترجمة وتحسينها.
وستواصل أدوات الترجمة، لا محالةً، الاستفادة من الارتباط مع الذكاء الاصطناعي، وهو مجال بدأ يتغلغل بسرعة في العديد من القطاعات بجميع أنحاء العالم. وأفاد غالي أن "تقدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي والترجمة الآلية يحتم على المترجمين أن يواكبوا متطلبات عصرهم، وأوضح أن العاملين في مجال الترجمة يتعين عليهم تعزيز وعيهم بأحدث التطورات في المجال، وصقل مهاراتهم بانتظام، وتوسيع نطاق معارفهم بحيث يشمل العديد من التخصصات الأخرى التي لم تعد اختيارية."
وضع المعايير
بدوره، صرّح الدكتور أشرف عبد الفتاح، الأستاذ المساعد بمعهد دراسات الترجمة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة والمشرف على البحث الفائز بجائزة البحث العلمي المتميز: "يُقَدِم هذا البحث مساهمة قيِّمة ومطلوبة جدًا للدراسات الأكاديمية حول تقييم جودة الترجمة، ولا سيَّما في دراسات الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى العربية. وتتميز الدراسة بأهميتها فيما يتعلق بشقيها وهما تحليل الترجمة والتعليق النقدي. كما أنها تتجاوب على وجه الخصوص مع حقيقة أن هناك ندرة في دراسات الترجمة المُنجَزة في هذا المجال باللغة العربية."
وكانت كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قد أطلقت مؤخرًا أول برنامج للدكتوراه تطرحه الكلية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو برنامج مصمم بشكلٍ فريدٍ لتعزيز التعليم متعدد التخصصات، ويشجع على تبني نهج تعليمي يحفز الطلاب على البحث والاستقصاء.
وقد دأبت الكلية على أداء دور مهم بشكلٍ متزايدٍ في دعم مجتمع المترجمين وخبراء اللغات، الذي يشهد نموًا مطردًا على الصعيدين المحلي والإقليمي.