التغلب على التحديات في ترجمة النصوص الرياضية
كتبه نبيل راشد*
مع اقتراب موعد انطلاق بطولة كأس العالم فيفا قطر ٢٠٢٢، تتسارع بشكل مطرد وتيرة ترجمة أخبار هذه البطولة العالمية وكل ما يتعلق بها على شبكة الإنترنت. ويترجم مترجمو الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بمفردهم حوالي ثلاثة ملايين كلمة في اللغات الأربع الرسمية المعتمدة لدى الفيفا كل عام. ومع مشاركة منتخبات من 32 دولة تتحدث 20 لغة مختلفة تقريبًا، من المتوقع أن يجتاح حجم كبير من المحتوى المتعلق بهذه البطولة وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء استضافتها وبعد إسدال الستار على فعالياتها، وستصل التغطية التلفزيونية بعدة لغات إلى مليارات المشاهدين في جميع أنحاء العالم.
وسوف تستدعي الطبيعة العالمية لهذا الحدث الرياضي الدولي الضخم وعولمة الرياضة بوجه عام حتمًا توفير خدمات ترجمة عالية الجودة لتسهيل الانتشار الواسع لهذا الحجم الهائل من المحتوى الرياضي ذي الطابع الفني الخاص.
المحتوى الرياضي وتحدياته
ترجمة المحتوى الرياضي ليس بالأمر الهين؛ إذ ينطوي على عدد من التحديات التي تتطلب مجموعة حلول عملية لضمان الجودة. ولا بد أن تعكس الترجمات المفردات المتخصصة والسياقات الفريدة في اللغة المستهدفة بأمانة لغويًا ودلاليًا. لكن التحدي المتمثل في العثور على مفردات دلالية وثقافية مكافئة عند الترجمة يجعل من التعامل مع النصوص الرياضية تحديًا أمام المترجم الذي يضطلع بهذه المهمة. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب صياغة جمل مكافئة ناقلة للمعنى ترجمة إبداعية، وسلامة لغوية في اللغة المستهدفة، وإلمامًا ثقافيًا بكلتا اللغتين.
مقاربات مترجمي النصوص الرياضية
في ضوء ذلك، يمكننا القول إن ترجمة النصوص الرياضية تستوجب تبني منهجية مختلفة عن تلك المتبعة عند ترجمة أي نص عام؛ فقبل الاضطلاع بترجمة النصوص الرياضية، ينبغي للمترجم الإلمام جيدًا بالمصطلحات الرياضية، بالإضافة إلى امتلاكه لمهارات البحث المعجمي والدلالي الكفيلة بضمان جودة الترجمة. بعبارة أخرى، على عكس أي ترجمة عامة تتم بمساعدة القواميس، تتطلب ترجمة النصوص الرياضية إجراء بحث دلالي عن المكافئ للمفردات والتعبيرات الاصطلاحية المتخصصة. لذا يتوجب على المترجم في هذا المجال التعامل مع مثل هذه المفردات والسياقات بدرجة أعلى من الدقة، سواء بشكل دلالي أو صريح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمترجم استخدام أساليب أخرى عند التعامل مع تحديات الترجمة الرياضية، كلما كان ذلك ممكنًا، وقد يشمل ذلك النقل الحرفي للمفردات، أو النسخ اللفظي للمفردات، أو استخدام التعبير المحلي الشائع، أو تبني كلمة مستحدثة، أو ترجمة اقتراضية، وما إلى ذلك من أساليب ترجمية مختلفة.
وينبغي للمترجم أيضًا تبني تكنولوجيا الترجمة في عمله بالإضافة إلى المنهجية المذكورة أعلاه، بغية الوصول إلى ترجمة عالية الجودة في المجال الرياضي. ويمكن الاستفادة بشكل كبير من استخدام التقنيات الترجمية المتاحة بمساعدة الحاسوب كأنظمة ذاكرة الترجمة (TM)، و"قواعد المصطلحات" الرقمية وغيرها ضمن برامج الترجمة الرقمية، وستحقق الترجمة أعلى معايير الجودة إذا أتيحت لها إمكانية الاستعانة بنصوص و/أو معاجم رياضية متخصصة ثنائية اللغة تم التحقق من صحتها اللغوية والدلالية. فعلى سبيل المثال، يمكن لبرنامج مثل "TRADOS" تخزين وإعادة استخدام ترجمات صحيحة للمصطلحات والعبارات ضمن سياق رياضي محدد، مما يقلل في نهاية المطاف من الوقت المستغرق في الترجمة، فضلاً عن تقليص الوقت الذي يقضيه المترجم في التحقق من القواميس و المواقع الرياضية المتخصصة على شبكة الإنترنت. كما تحافظ هذه البرامج على اتساق الاستخدام اللغوي المناسب بالإضافة إلى اتساق استخدام المفردات المكافئة في اللغات المستهدفة.
النصوص الرياضية لها خصوصياتها
هناك ملاحظة أخرى مثيرة للاهتمام تتمثل في قلة المفردات الرياضية التي توفرها القواميس ذات الطابع العام. وتطرح هذه القواميس في كثير من الأحيان تعريفًا عامًا للمفردات المدرجة فيها على أساس معجمي، أما القواميس المتخصصة في المجال الرياضي فهي على عكس ذلك وتعد ذات قيمة عالية للمترجمين من حيث ملاءمة المفردات المكافئة في اللغة المستهدفة وصحة دلالاتها؛ لذلك يُنصح بشدة باستخدام هذه القواميس المتخصصة. لنتناول على سبيل المثال مصطلح " the box "؛ غالبًا ما يعرفه القاموس العام بأنه "صندوق"، في حين أن تعريفه في القاموس الرياضي المتخصص هو "منطقة الجزاء". تخيل المعنيين عند ترجمة الجملة التالية: في الشوط الثاني هدد مانشستر يونايتد الصندوق/منطقة الجزاء عدة مرات!
ضرورة عكس أجواء إثارة الألعاب في السياق
ثمة عامل جوهري آخر في جودة الترجمة الرياضية يتمثل في أسلوب الكتابة والسياق، فعادةً ما تكون النصوص الرياضية ممتعة، خاصة عند تسليط الضوء على الفوز بميدالية، أو ملف تعريف خاص بنجم رياضي، أو تنظيم حدث رياضي مجمع. إنها مشابهة للتعليق الرياضي خلال بث الأحداث، ولكن بشكل نص مكتوب! بالإضافة إلى ذلك، هناك معايير شائعة في صياغة النصوص الرياضية ينبغي أن يعكسها المترجم في عمله؛ فهي ضرورية وتساعد في الحفاظ على الأسلوب الصحفي المثير في صياغة هذه النصوص. وعليه، يحتاج مترجم النصوص الرياضية أن يكون على دراية بالممارسات الكتابية الشائعة في هذا المجال مثل كتابة النتائج كأرقام تفصلها علامات محددة (12-6 بدلاً من 12 مقابل 6)، والأرقام القياسية كأرقام مفصولة بعلامة بدلاً من استخدام "واو" العطف (8-2 بدلاً من 8 و2)، وكتابة نتيجة الفائز قبل الخاسر دائمًا.
ختامًا، يصنف بعض الخبراء الترجمة الرياضية على أنها "ترجمة ذات طابع فني متخصص" لتمييزها عن ترجمة النصوص العامة. ففي حالة ترجمة النصوص العامة، يكفي أن يمتلك المترجم معرفة في الموضوع قيد الترجمة أو أن يكون على دراية بالمفردات ذات الصلة. وبعبارة أخرى، لا يكاد يكون هناك حاجة إلى الكثير من البحث في خلفية الموضوع قيد الترجمة. على العكس من ذلك، تتطلب الترجمة ذات الطابع الفني التخصصي أن يكون لدى المترجم مستوى معين من الخبرة في مجال فني من مجالات الأعمال أو إجراء مزيد من البحث للعثور على المصطلحات الفنية الخاصة بمجال معين من الأعمال أو الصناعات. بالإضافة إلى ذلك، تنقل الترجمة العامة رسالة عامة وعادةً ما تخاطب قراء غير محددين، ولكن الترجمة الرياضية تستهدف دائمًا جمهورًا محددًا وتستخدم مفردات خاصة بالمجال الرياضي. من هنا يسعى المترجمون في المجال الرياضي دائمًا إلى تقديم ترجمة دقيقة ومتسقة من حيث المصطلحات، لذا نجدهم يجرون بحثًا مكثفًا دائمًا خلال عملهم ويتحققون أكثر من مرة من دقة هذه المصطلحات. ومن هذا المنطلق، يتوجب دائمًا على المهتمين بالترجمة والكتابة في المجال الرياضي أن يتذكروا هذا التصنيف ليضعوا حدًا فاصلاً بين الترجمة العامة وترجمة النصوص الرياضية.
* يشغل السيد نبيل راشد منصب أخصائي في تدقيق الترجمة بمعهد دراسات الترجمة التابع لجامعة حمد بن خليفة، حيث يقدم ورش عمل حول الترجمة الرياضية، كما عمل السيد نبيل في فرق إرث الترجمة خلال فعاليات مثل دورة الألعاب الآسيوية بالدوحة.