The Growing Importance of Qatar’s Healthcare Interpreters

تزايد أهمية المترجمين الفوريين في قطاع الرعاية الصحية بدولة قطر

قبل عقد من الزمان أو يزيد، قام أحد مراكز الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية بسداد مبلغ 200,000 دولار قيمة تسويةٍ نهائية تعويضًا عن ممارسة خاطئة تسببت في وفاة طفلة فيتنامية تبلغ من العمر 9 سنوات. أُدخِلت الطفلةُ المركز الصحي وهي تعاني من عدوى، إلا أنها عُولجت خطأً بدواء ريجلان، وهو عقارٌ مضاد للقيء لا يُنصح باستخدامه مع الأطفال. تسبّب الدواء بردّة فعل عكسية لدى الطفلة توفيت على إثرها، في حين كانت فرصتها في البقاء على قيد الحياة أفضل لو تمكّن المركز الصحي من التواصل مع والديها الناطقين باللغة الفيتنامية. لم يترك غيابُ المترجم الفوري أي خياراتٍ لأخصائيي الرعاية الصحية، فما كان منهم سوى الاتكال على شقيق الطفلة البالغ من العمر 16 عامًا للحصول على معلومات مهمة.

تردد صدى هذه الحالة المأساوية في مقال نشرته مجلة ’طبيب الأسرة الأمريكية‘ عام 2014 حذَّرت فيه من حقيقة أن المرضى ذوي المعرفة المحدودة باللغة الإنجليزية أقل قدرةً على الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وأكثر عُرضةً على الأرجح للتأثيرات الضارة للعقاقير الطبية، وفشل الأطباء في فهمهم واستيعاب شكاواهم. وما يزيد الطين بِلّةً أن هيئات ومراكز الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم غالبًا ما تعتمد على الموظفين الناطقين بلغتين أو أكثر لسدّ هذه الثغرة الترجمية والحلول محلّ المترجم المحترف، ناهيك عن محاذير ومخاطر الاكتفاء بـ ’محرك البحث جوجل‘ كمترجم بديل.

وردًا على هذا الوضع السيء، اكتسبت الدعواتُ العالمية لتوفير المزيد من المترجمين الفوريين والتحريريين في أماكن الرعاية الصحية زخمًا في السنوات الأخيرة. وواقع الحال أن الدور المهم للمترجم يتعدى المستشفيات والمراكز الصحية إلى ترجمةِ تعليمات استعمال الأدوية، ومساعدة مهنيي الرعاية الصحية الأولية وغيرها من خدمات صحية. ووصلت الدعواتُ ذروتَها بتصنيف دراسةٍ أجرتها جامعة سان دييغو عام 2017، الترجمةَ الفورية والتحريرية من بين "أفضل المسارات المهنية الصاعدة" في جميع أنحاء العالم.

أما في دولة قطر فالحاجة ماسّة إلى مترجمين فوريين وتحريريين من ذوي الكفاءة والخبرة في مجال الرعاية الصحية، ومردّ ذلك حجمُ العمالة الوافدة وتنوعها. واستجابةً للتحديات الصحية الكثيرة التي يفرضها وجودُ وافدين من شتى بقاع المعمورة، توجد مجموعة كبيرة من أخصائيي الترجمة على أهبة الاستعداد الدائم لمساعدة مقدمي خدمات الرعاية الصحية في المرافق الطبية في البلاد. كما تستفيد هيئات الخدمات الصحية في قطر من المراكز والبرامج التي تعمل على تحديد الاحتياجات الترجمية في سائر أنحاء الدولة وتلبيتها. أما الهدف الرئيس لهذه البرامج فيتلخص ببساطة في توفير الدعم اللغوي عالي الجودة الذي يراعي الفوارق الثقافية، وهي اختلافاتٌ كبيرة في غالب الأحيان.

وفي إطار التصدي لهذه المهمة الكبيرة، أخذت كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة على عاتقها القيام بإسهامات متعددة الأوجه، وذلك من خلال معهد دراسات الترجمة التابع لها. يقوم فريق المعهد بصفةٍ منتظمة بترجمة نماذج الموافقة المستنيرة وغيرها من وثائق طبية، إلى اللغة العربية بشكل أساسي. كما يوفر المعهد التدريبَ والتطوير المهنيَين المناسبَين للعاملين في مؤسسة حمد الطبية ووزارة الصحة العامة. وتساعد هذه الورش التدريبية والبرامج الأكاديمية في إعداد وتأهيل عدد من أخصائيي الترجمة الشفوية والتحريرية في قطر إعدادًا متقدمًا وفق المعايير الدولية المعمول بها، علمًا أن برامج الدراسات العليا التي يقدمها معهد دراسات الترجمة معتمَدة من جامعة جنيف العريقة.

ومن المنظور التقني، قام معهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة بتطوير برمجيات لغوية من شأنها أن تعزز قدرة البلاد على توفير خدمات الترجمة الفورية والتحريرية أينما كانت هناك حاجة ماسّة إليها. ويستخدم نظامُ النسخ المتقدم في المعهد أحدثَ تقنيات التعلم المتعمق لتحويل الكلام الشفهي إلى نصوص، بما في ذلك اللغة الإنجليزية ولهجات اللغة العربية. ويتماهى هذا النظام المتطور مع الدور المتنامي للتكنولوجيا في دعم خدمات الترجمة الفورية والتحريرية في قطاع الرعاية الصحية حول العالم. فهي تحقق التواصل الذي تشتد الحاجة إليه بين المرضى ومقدمي خدمات الرعاية، وتساعد في التعريف باستخدامات الأدوية وتأثيراتها وبالنتائج المتوقعة للإجراءات الطبية، فضلاً عن تبسيط المصطلحات الطبية التي غالبًا ما تكون معقدة. كما تسهم إسهامًا كبيرًا في تعزيز شعور المرضى بالرضى والثقة في الخدمات الصحية التي يتلقونها.

من غير المستغرب بالطبع أن تتصدر أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية طليعةَ الدول التي تستخدم هذه التكنولوجيات، حيث باتت خدمات الترجمة عن بُعد ميزةً شائعة في مرافق الرعاية الصحية هناك. أما دولة قطر، وعلى غرار مناطق أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتعتزم إدراج المزيد من هذه التطبيقات في خدماتها الصحية، ولا تقتصر تطلعاتُ الدولة في مجال توفير الترجمة الفورية والتحريرية في الرعاية الصحية على السياق المحلي فقط.

ففي أكتوبر الماضي، نشر مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية ’ويش‘، أحد مبادرات مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، النسخةَ العربية الأولى من دليل يستخدمه الأطباء لعلاج الأطفال الذين يصابون بالمتفجرات في مناطق النزاعات. نُشر الدليل تحت مسمّى "الدليل الميداني لإدارة حالات الأطفال المصابين في التفجيرات" وبات متاحًا بين يدي مقدمي الرعاية الصحية في كلٍّ من العراق وليبيا وسوريا واليمن، وهو في الأصل ترجمة للدليل الذي نشرته منظمة ’أنقذوا الأطفال‘ ومقرها المملكة المتحدة. ومن جانبه، قام معهد دراسات الترجمة بجامعة حمد بن خليفة بترجمة دليل "الترجمة الفورية في رحاب الرعاية الصحية" إلى اللغة العربية، وبات متاحًا الآن على الموقع الإلكتروني لمستشفيات جامعة جنيف، وهو مرجع في غاية الأهمية بالنسبة للمترجمين الفوريين المحترفين الذين يعملون مع اللاجئين والنازحين في كل مكان.

بيد أن من المدهش أن تظلّ خدمات الترجمة الفورية والتحريرية عُرضةً للنقد والتهكم، بالنظر إلى أهميتها المتزايدة في مرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. فنرى على سبيل المثال مقدمي الخدمات الصحية يتذمرون إزاء التكلفة المالية لتوفير هذه الخدمات، سواء على أساس كل حالة على حِدة أو بصفة منتظمة، من منطلق الحرص على تقليل النفقات. وبالنظر إلى الالتزام الأبدي للقطاع الصحي بتحسين جودة حياة المرضى عبر العلاج والتكنولوجيات المتقدمة، فإن حجّتهم هذه تنافي العقل والمنطق لا ريب.

على الجانب الآخر، ثمّة جانب ثقافي للمسألة؛ إذ ربما تنجح تقنيات الترجمة في نقل رسالةٍ ما من الطبيب إلى المريض، إلا أنها من غير المرجّح أن تراعي اللهجات المحلية والدلالات اللغوية وغيرها من اعتبارات. وكي نبسّط الأمر، فإن حلول الترجمة الفورية والتحريرية التي تعتمد التكنولوجيا المتقدمة تفتقر إلى العنصر البشري، ما يخاطر "بفقدان معلومات وعناصر مهمة في عملية الترجمة". وهذا العنصر البشري في توفير الترجمة الشفوية والتحريرية سيكون مهمًا ومطلوبًا دون أدنى شك في بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر عندما تستضيف المشجعين من جميع أنحاء العالم.

ومن ثمّ، فلا ينبغي التقليل أبدًا من أهمية الحاجة إلى مترجمين "محترفين"، شفويين وتحريريين، في قطاع الرعاية الصحية، وخاصةً مع انتشار الاعتقاد السائد في الوقت الحاضر بأن من يتحدث لغتين أو أكثر هو حُكمًا مترجمٌ مؤهل ومقتدر، وفي هذا مجافاةٌ للحقيقة وأيّة مجافاة! فالمترجم المحترف يقضي سنواتٍ طِوالاً في التدريب الصارم الذي تُصمّم مقرراتُه بهدف الإحاطة باللغة وإتقان ثناياها ومن ثمّ القيام بواجب الترجمة بالمهنية والكفاءة المطلوبتين. وهذه الحاجة إلى الدقة والوضوح سمةٌ مشتركة مع قطاع الرعاية الصحية وغيره من مهن، حيث يؤدي الخطأ إلى إزهاق الأرواح في كثير من الأحيان.

Top